الغضب صفة جعلها الله في فطرة الإنسان، يمكن أن تُستخدم في محلها الصحيح، أو في محلها الخاطئ. وقد يتطور هذا الغضب عند البعض إلى العنف والاعتداء على الآخرين بالضرب الجسدي. هنا لا شك أنه مذموم جدا، فحسب بعض الدراسات، العنف والغضب منتشر في العوائل حول العالم بشكل كبير. قد يكون منتشرا بين العوائل المسلمة كذلك ولكن لا أقول أنه ظاهرة لأن هذا ليس بصحيح. حقيقة الأمر أن العنف العائلي ليس ظاهرة بين العوائل المسلمة، إلا أنه موجود بشكل أو آخر نتيجة عوامل كثيرة. على أي حال، لو أردنا أن ننظر إلى المسألة بشكل عالمي، ٣٠٪ إلى ٦٠٪ من النساء يعانين خشونة الزوج سواء بالضرب أو الفحش أو الإهانات في بعض دول العالم.
هذا استخدام خاطئ للقوة الغضبية في الإنسان وخلاف كل التوصيات الدينية أو الإنسانية، فالإسلام يشجع ويؤكد على تحصيل سبل السكون والطمأنينة والراحة في البيت العائلي. وهذه التصرفات الخشنة تعمل ضد هذه المبادئ. من الواضحات عند العقلاء أنه لا يمكن تربية الأطفال تربية إسلامية صحيحة في بيت عنيف، لينتج عن تربيتهم جيل متقي متوازن مبدع ومجاهد.
فلنبحث حول أسباب هذا الغضب الخاطئ
ما السبب الرئيس للغضب؟
في الحقيقة، الغضب راجع الى عدم القدرة على السيطرة، فكلما شعر الإنسان أنه بالتكلم وعن طريق اللسان ليس قادرا على إيصال ما يريد وإقناع الطرف الآخر، لجأ اضطرارا إلى الصراخ ومد الأيدي والأرجل. في الحقيقة الرجل الضعيف هو الرجل العنيف.
وقد يكون أيضا ناشئا من حالة تكبر عند الشخص، أي أنه يرى نفسه أعلى رتبة وأهمية من غيره، وأن كلامه يجب أن يُنفَّذ من دون نقاش، خاصة من الجنس الآخر.
هل هناك غضب محمود؟
في المقابل يوجد هناك غضب محمود، فالله عز وجل لا يجعل صفة في خلقه من دون فائدة. نحن لا ندعي أن الغضب مذموم مطلقا؛ هذه قراءة خاطئة. إن الغضب من ضروريات الحياة. الإنسان إن لم يكن فيه القدرة على الغضب، لا يمكن ان يدافع عن نفسه وعرضه وبلده ودينه. إن تعرض أحدهم لعرضه، يقول: فلنحل المشكلة باللسان! وإن اعتدى عليه الظالمين، يقول: ما أنا باسط يدي! وإن هجم الأعداء على بلده، يخضع ويستسلم ويقول:لا قدرة لنا أمامهم. وإن تعدى أحدهم على دينه ومذهبه ومقدساته، أعظم ما يقول: ما باليد حيلة!
بالطبع لا أقول أن هذه الردود هي سيئة في نفسها، بل قد تكون عين الحكمة أحيانا، ولكن إن كانت منشؤها إحساس الضعف والبرود في الإنسان، فهي حتما سيئة ومردودة.
الغضب يتجلى في الجهاد ضد أعداء الله وفي بعض مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا الغضب، الذي يتولد لله وفي سبيله هو غضب متعارف ومشروع بين العقلاء. كذلك نقرأ في الخطبة الفدكية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام: “وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه والله نكير سيفه، وقلة مبالاته بحتفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله.” إن الإمام علي عليه السلام كان مظهرَ غضب الله على أعداء الدين. نقرأ في دعاء الندبة:
“قَدْ وَتَرَ فيهِ صَناديدَ الْعَرَبِ وَقَتَلَ اَبْطالَهُمْ وَناوَشَ ذُؤْبانَهُمْ، فأودع قُلُوبَهُمْ اَحْقاداً بَدْرِيَّةً وَخَيْبَرِيَّةً وَحُنَيْنِيَّةً وَغَيْرَهُنَّ، فَاَضَبَّتْ عَلى عَداوَتِهِ وَاَكَبَّتْ عَلى مُنابَذَتِهِ، حَتّى قَتَلَ النّاكِثينَ وَالْقاسِطينَ وَالْمارِقينَ…“
إنا كذلك رأينا تجليات هذا الغضب في الثورة الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الإمام الخميني قدس سره. وكذلك رأينا تجلياته في الصحوة الإسلامية في منطقة غرب آسيا وكذلك في بعض دول أوروبا كفرنسا.
ما معيار معرفة الغضب الإلهي من الغضب الشيطاني؟
العقل. الغضب الذي يكون بهداية العقل في المسير الصحيح مراعيا العدالة ويكون بعيدا عن الإفراط ويكون بأساليب صحيحة هو غضب محمود.
وبالطبع ما عكس هذا هو الغضب المذموم. هو الغضب الذي يدمر المجتمع ويدمر العوائل. هو الغضب الذي يتحكم في العقل. انظر عند الغضب كم تستخدم من عقلك.
لذا قال أحد العلماء
إنسانيتنا هي بالتحكم في حيوانيتنا!
أحدهم!
ما هي بعض الروايات الواردة في الغضب؟
هناك الكثير، منها:
- الغضب نار القلوب، الغضب النار الموقدة.
- الغضب ضرب من الجنون
- املك سوطة غضبك
- الغضب يفسد الإيمان
- الغضب يوجب الندامة
- الغضب يفسد المجتمع
نقول في الختام، لا إفراط ولا تفريط. العلم النفس الغربي يريد القضاء على الغضب بتمامه ولم يستطع ولن يستطيع، وهذا ما لا يراه الإسلام. الإسلام يفرق بين الغضب المحمود والغضب المذموم ويوظفه في محله المناسب مثل توظيف الشهوة في مكانها المناسب.