
نعيش في زمن صعب تشوبه الفتن والامتحانات، حتى أننا نرى الكثير من المتدينيين يسقطون فيها، فلا بد لنا من مصباح نستضيء به في هذا الطريق المظلم المخيف لكيلا ننحرف عن جادة الصواب.
البقاء على جادة الصواب ليس معناه أن نصلي ونصوم ونعرف تعداد أصول الدين وفروعها وما شابه. نعم هذه الأمور لا بد أن تكون موجودة في أعمها الأغلب ولكنها لوحدها لا تكفي، فكم هم الذين انحرفوا وكانوا يصلون ليلاً نهاراً، كالخوارج وغيرهم. إذن التدين بمعناه الظاهري السطحي لا يكفي للبقاء على جادة الصواب.
للبقاء على جادة الصواب نحتاج لأمور أكثر من هذه، نحتاج لشخص يدلنا عليها والأهم يبقينا فيها. هنا يأتي دور العالِم الصالح، ولكن في الحقيقة كثير من المتدينين يمتلكون المعايير الخاطئة لتحديد هذا الشخص الصالِح. فالناس عموما يقدسون أي عالِم على رأسه العِمَامَة ينقل الأحاديث والأحكام. عند الناس، إن كان العالِم هكذا فإذن هو بلا شك عالِم صالح يجب اتباعه بل الدفاع عنه.
هذا المعيار أيضا خاطئ؛ أعني معيار العِمَامَة، ومجرد نقل الأحاديث والأحكام، فالعمامة لا تصبّ الطهارة على كل مَن تحتها، هي ليست طلسما يجعل من يلبسها طاهرا صالحا، وكم من معممين رأيناهم سقطوا واحدا تلو الآخر في هذا الزمان. وأما نقل الأحاديث والأحكام فلعلها من تشجيعات الشيطان لنيل الوجاهة والمباهاة بين الناس.
هل هو المرجعية؟ أعني لو كان الشخص مرجعا فهو عالِم صالحٌ جدير بالاتباع لكي يدل على الطريق. هل هو حقاً هكذا؟ لا أقصد إهانة أي مرجع بل هم تيجان نفتخر بهم ولكن لا، هذا المعيار غير صحيح، فإن وضعت المرجعية معيارا فلا تفيدك في البقاء على الطريق الصحيح، على جادة الصواب.
كيف؟ هناك مراجع أو فقهاء انشقوا عن الطريق منذ زمن أهل البيت عليهم السلام. بعضهم لعنهم الإمام المعصوم عليه السلام، وبعضهم وصلوا إلى درجة المخالفة العلنية مع الإمام. حتى في زماننا هذا، هناك مراجع ما كانت عاقبتهم إلا سوءاً. فيا ترى من الذي قال له الإمام الخميني قدس سره: “انج بنفسك من قعر جهنم…”؟ كان مرجعاً فقيها معروفاً في الأوساط، بل كان أعلم الفقهاء في زمانه (فقها وأصولا)؛ نعم كان المنتظري، ولكنه انحرف عن جادة الصواب في النهاية وأخذ معه جمع من المريدين والمحبين إلى الظلمة، إلى يومنا الحاضر.

إذن لو كنت تعيش في ذلك الزمان ووضعت المرجعية معيارا لنفسك، سقطتَ هناك في الامتحان. إذن المعيار ليس الفقاهة أو المرجعية. المعيار شيء آخر.
إذن ما المعيار الصحيح لمعرفة العالِم الصالح؟
المعيار الوحيد العملي الذي يمكنك الاعتماد عليه في هذا الزمان معرفة جهة هذا العالِم. أيها العالِم، أيها المعمم، أيها الفقيه، في أي جهة أنت؟ لو وضعتُ نفسي بين يديك لتربّيني، بعد 10 سنوات إلى أين تريد أخذي؟ لا تكلمني بالمجاملات، بل قل لي بكل وضوح، هذه القافلة، إلى أين تسير؟
فمثلا، لو اتبعت ياسر الحبيب، إلى أين يريد أن يأخذك؟ دع عنك المعلومات وذكر الروايات والأحكام، دع عنك المواضيع الأخلاقية، أطلب منه بصراحة، إلى أين نحن ذاهبون؟ أين هي جهتك؟ هل جهتك نصرة الإسلام والمسلمين والمستضعفين ضد المستكبرين؟ أم جهتك قلب المسلمين والمستضعفين على أنفسهم؟ قل له: يا شيخ: عندما أتخرج من محاضراتك، ماذا سأكون؟ هل سأكون شخصاً يسب المراجع والفقهاء ويتهم كل منهم باتهام، ولا أتكلم كلمة حق ضد أمريكا وإسرائيل؟ إن كانت هذه هي الجهة، فأوقف القافلة، أريد الخروج الآن، فهذا مشروع لست أنا مشارك فيه.
الإمام الخميني قدس سره كان يستطيع التكلم عن الفقه وحكم أكل الحمار والحصان والأرنب والقبقب أو حكم أكل السمكة ذات الفَلَس أو تحفيظ من هو الإمام الخامس أو السابع أو ما اسم أمه وعمه، وهذه معلومات جانبية نحتاج إليها بالطبع في مسيرة التدين، ولكن الأهم من ذلك، الإمام عيّن لنا الجهة الصحيحة، فقال: أمريكا هي الشيطان الأكبر، وقال: “لو يوما أعلنوا الأذان من البيت الأبيض فلا تصدقوهم”. إن الذي ميّز الإمام الخميني هو إعطائه الجهة الصحيحة لأتباعه من المسلمين والمسيحين والمستضعفين.
إن الجهة الصحيحة اليوم متمثلة في اتباع الولي الفقيه، فالعالِم الصالح هو العالِم الذي لا ينسى في محاضراته أن يعزز ثبات المستمع في هذه الجهة، جهة مقارعة الظالمين وعلى رأسهم الاستكبار العالمي أمريكا. إن ما يميّز مثلا الشيخ عليرضا بناهيان ليس فقط أسلوبه الجميل وعمقه الفكري الرائع، بل تشديده على اتباع ولاية الفقيه في كل محاضرة له. هذا ما يصنع من أتباعه ومحبينه مجاهدين وشهداء في سبيل الله. آية الله جوادي آملي هكذا، الشيخ مصباح اليزدي هكذا، الشهيد مطهري هكذا، كذلك السيد فاطمي نيا، والشيخ قراءتي وآية الله حق شناس، واستاد مسعود عالي، وآية الله حائري الشيرازي، وآية الله بهجت، السيد حسن نصرالله والشيخ عيسى قاسم أو حتى غيرهم من علماء فعالين في الساحة التبليغية، هؤلاء كلهم من صنف جهة الإمام الخميني. يعلمونك الدين ولكن دين مع تثبيت وتعزيز وشرح قضية اتباع القائد الفقيه الحكيم التقي الشجاع القوي. هؤلاء ليسوا بالضرورة متفوهون في الخطابة أو ينشدون لكَِ أشعارا على البديهة، بل بعضهم لا يتكلم إلا بورقة في يده، ولكن هؤلاء يوصلون الإنسان إلى المراد؛ الجهة الصحيحة.
عن الإمام الصادق عليه السلام: “تجد الرجل لا يُخطئ بلام ولا واو، خطيبا مُصقعا ولَقلبه أشد من ظلمة الليل المظلم، وتجد الرجل لا يستطيع يعبّر عما في قلبه بلسانه، وقلبه يزهر كما يزهر المصباح” المصدر
قد يقول أحدهم: ماذا؟ لا لا! كيف؟! بدأتَ الترويج لخطك! جئنا لشيء وتريد إخراجنا بشيء آخر؟
أقول له: لا تتكلم بجهالة وبخلفيات مسبقة، اسمعني حتى تفهم، فكلي لك محبة:
اليوم في زماننا شخص واحد يترأس على منصب مقارعة الظالمين وعلى رأسهم الاستكبار العالمي، وهو الإمام الخامنئي دام ظله. الأعداء كلهم مرتبصون الفرص ويكيدون الكيد للإطاحة به ولو عن طريق الاغتيال. لو تم تضعيف هذا الشخص بأي طريقة كانت فهو في الحقيقة تضعيف لجميع أتباع أهل البيت، بل كل المسلمين، بل كل المستضعفين. هذا يعني نهاية الإسلام وتقوية جبهة الكفر، ولا فقيه أو مرجع يرضى به، فعندما أقول أن المعيار اتباع من يتبع ولاية الفقيه، لا أعني أن كل فقيه أو مرجع يخالف ولاية الفقيه فهو غير صالح، بل هناك علماء نظريا لا يؤمنون بولاية الفقيه المطلقة، ولكن في مقام العمل كانوا من أشد الناس المدافعين عنها.
اليوم تضعيف ولاية الفقيه أو الولي الفقيه هو وقوف مع العدو في جبهته، شئنا أم أبينا، اعترفنا أم برّرنا، لهذا تشبث الشعب الإيراني الأبي الصابر الواعي بشعار: “الموت لمن هو ضد ولاية الفقيه!”
أمثال ياسر الحبيب استغلوا قلة فهم الناس وقاموا بمغالطة وقالوا: إذا أنتم تقولون الموت لمن هو ضد ولاية الفقيه، فكل العلماء ضد ولاية الفقيه! تعساً له! هو يقصد المخالفين فقهيا لولاية الفقيه، ونحن لا نقصد ذلك، بل من يكون في مقام العمل معاديا لولاية الفقيه، فالذي يكون ضد ولاية الفقيه يكون في جبهة الاستكبار معه، يسانده ويؤزره، وما ذنب أكبر من هذا!
فالمعيار عندي واضح، فلنريح أنفسنا من صعوبة التقييم وخوف الاتباع الأعمى. المعيار هو:
اتباع من يقوي عندنا عقيدة ولاية الفقيه
ورفعنا بعضهم درجات
أقول في الختام، المرة القادمة التي أردت تقييم فلان طالب علم أو عالم أو فقيه، تذكر كلامي هذا. أين ينصب كلامه ومحاضراته؟
- الأخلاق فقط؟ لا نستفيد من أخلاق ليس فيه مواجهة الاستكبار العالمي.
- الفقه؟ لا نستفيد من فقه ليس فيه النهي عن المنكر بأعلى درجاته وهو مقارعة الظالمين.
- السيرة؟ لا نستفيد من سيرة فقط فيه قصصا مخدِّرة من دون ذكر بطولات الأئمة الأطهار واتحادهم جميعا في مواجهة المستكبرين.
- القرآن؟ لا نستفيد من قراءة آيات لمجرد التبرك وقصص هاروت وماروت وعاهرة بابل وما شابه إن لم يكن فيه تفسير: “وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم”
- وقس على هذا..
المرة القادمة التي تصطدم بفيديوهات عالِم على يوتيوب أو غيره، وتتساءل، هل هو جيد أم لا؟ اسمع خمس محاضرات له، فإن لم تجد فيه شيئا من تقوية ولاية الفقيه وتضعيف الاستكبار وزيادة إيمان مستمعيه تجاه هذا الإسلام المحمدي الأصيل، فهذا العالِم يتكلم في الهواء ومعلوماته فعلا لا تحدث فيك ثورة تكون نتيجتها حسن الخاتمة والشهادة في سبيل الله. هو مجرد يعطيك من حلو الكلام وما تشتهيه الأنفس والأسماع.
ما رأيك؟ ماذا تقول؟ ماذا يجول في خاطرك؟ أحب أن أعرف ذلك في التعليقات.