Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اجتماعيةتاريخيةزياراتعبادية

مقام اللعن في زيارة عاشوراء

مكتوب المحاضرة

المقدمة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد، وآخر تابع له على ذلك. اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله. اللهم العنهم جميعا.

طبعا المعلومات التي أتيتكم بها ليست من عندي بل من عند علمائنا الكرام، فأنا لا أملك هكذا علماً، بل ما أمتلكه هو فقط ما قال الصادق وقال الباقر عليهما السلام.

فضل زيارة عاشوراء

سنتكلم حول زيارة عاشوراء والمقامات الموجودة فيها، ولكني كنت أفكر أن أتكلم في البداية عن فضل زيارة عاشوراء ورأيت أن هناك الكثير من الفيديوهات لعلمائنا موجودة في يوتيوب فلا نكرر المكررات.

حصل إني سألت المتابعين في صفحتي على إنستغرام حول تجربتهم الشخصية مع زيارة عاشوراء، فاخترت لكم من هذه التجارب تجربتين سوف أقرأهما عليكم. أظن أن هذا له تأثير مختلف من مجرد ذكر فضائل الزيارة.

أحدهم قال: زيارة عاشوراء بالنسبة لي ملجأ. سألته كم عمرك؟ قال: ١٧. قال: “أنا عندما أقرأ هذه الزيارة أشعر بأني لست وحيدا بل هناك من يساندني في كل مشكلة. كأنك في الزيارة تستشير وبعد أن تنتهي من قراءتها وتسجد، ترى إنك وصلت إلى الحل بالفعل.”

قال لي شخص آخر: “الحمدلله قد مضى علي ٥ سنوات مستمر على قراءة زيارة عاشوراء، أي مشكلة عندي، تُحل فقط بقول يا أبا عبدالله.”

إذن دعونا نقول أيضا: السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين. فهذه بمثابة زيارة.

سند زيارة عاشوراء

إن زيارة عاشوراء من الأحاديث القدسية. أي عن الإمام الصادق عليه السلام، عن الباقر، عن السجاد، عن أبا عبدالله، عن أمير المؤمنين، عن الرسول الأكرم، عن جبرئيل عليهم السلام، ولها الكثير من الأسانيد القوية ولكننا لا نريد الإطالة كثيرا في قضية السند لأن بعض الفقهاء يرون أن بعض الزيارات كزيارة عاشوراء وزيارة الجامعة الكبيرة ودعاء توسل وحديث الكساء وأمثالها، لا تحتاج أساسا إلى دراسة سندية. نعم قد يدرسون السند في الحوزة العلمية من باب التخصص وهذا شأن آخر، ولكن في مقامنا هذا لا نحتاج إلى دراسة تخصصية هكذا في أسانيد هذه الزيارة وأمثالها.

وقد يسأل أحدهم لماذا؟ هناك عدة أسباب:

  1. هذه الزيارة مشهورة جدا، إلى درجة أنها أصبحت شعاراً للتشيع، فالأمور المعروفة جدا، كوجوب الصلاة، لا يُبحث عرفا حول سند وجوبها، فحتى الطفل الصغير المسلم أو المؤمن يعلمون أن الصلاة واجبة. ثم أن الكثير قد رأى الكرامات من هذه الزيارة وأمثالها وهذه دلالة على صدقها.
  2. المستحبات المسلَّمة لا تحتاج إلى بحث في السند، فعلى سبيل المثال: الصدقة. أريد أن أتصدق، فأقول: أولا قل لي السند وأثبت لي أن الصدقة مستحبة. أقول لك: يا حبيبي الصدقة مستحبة، فهي ليست بحرام أو بواجب، هي مستحبة، كمساعدة الآخرين مثلا.
  3. مضامين هذه الزيارة وردت في آيات كثيرة، فمثلا لو كنت تستشكل على قضية لعن ظالمي الإمام الحسين في الزيارة، فهناك ٤١ مرة لعن في القرآن الكريم (سنبين أمثلتها فيما بعد). كذلك مظلومية الإمام الحسين عليه السلام وما شابه موجودة في رواياتنا الصحيحة.
  4. قد عمل بها أكابر علمائنا حتى صارت جزءاً من معتقدات الشيعة. وأيُّ شعارٍ أعظم من الشعار الذي ينادي بمظلوميَّة أهل البيت عليهم ‌السلام؟ وزيارة عاشوراء تكفَّلت ببيان الظلم الذي تعرض له أهل البيت عليهم السلام واشتملت على لعن ظالميهم ولعن قاتلي أبا عبد الله الحسين عليه ‌السلام.

لذلك لا نحتاج تفصيليا أن ندخل في سندية زيارة عاشوراء

كيفية قراءة زيارة عاشوراء

جئت لكم بثلاث طرق أو مستويات لقراءة زيارة عاشوراء، فالجميع يستطيع أن يرى الطريقة المناسبة له من ناحية الوقت وكذلك الإقبال الروحي:

  1. عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لصفوان: « يا صفوان، إذا حدث لك إلى الله حاجةٌ فزر بهذه الزيارة من حيث كنت، وادع بهذا الدعاء [علقمة] وسَل حاجتَك تأتك من الله، والله غير مخلف وعدَه رسولَه بجوده وبمنّه والحمدلله ». إذن أقرأ زيارة عاشوراء بفقرة الـ ١٠٠ لعن وكذلك بفقرة الـ ١٠٠ سلام (مبيَّنة في الزيارة نفسها)، ثم أقرأ مباشرة دعاء علقمة، أو المعروف بدعاء صفوان، ففي كتب مفاتيح الجنان القديمة كانوا يضعون دعاء علقمة مباشرة بعد زيارة عاشوراء، وكان اسمه تتمة زيارة عاشوراء. إذن الذي يقرأ زيارة عاشوراء بـ١٠٠ لعن، جميل جدا أن يرتقي ويقرأ دعاء علقمة أيضا.
  2. عن الإمام الهادي عليه السلام طريقة أخرى لقراءة زيارة عاشوراء فيها تخفيف، فإن لم تستطع أن تقرأ فقرة اللعن ١٠٠ مرة، تقرأ فقط آخر جملة من هذه الفقرة (اللهم العنهم جميعا) ١٠٠ مرة. كذلك تقرأ في فقرة السلام الشق الأخير فقط ١٠٠ مرة، أي فقرة (السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين). فالذي ليس متعوداً أن يقرأ الفقرة كاملة ١٠٠ مرة، فليبدأ بهذا المستوى.
  3. جاء أحدهم إلى آية الله بهجت وقال له أن وقتي لا يسمح لي بأن أقرأ الفقرة أو حتى الجملة الأخيرة ١٠٠ مرة، فماذا أفعل؟ وهل أُحرَم من هذا الثواب العظيم؟ قال آية الله بهجت: لا، فهناك زيارة مباشرة بعد زيارة عاشوراء اسمها “زيارة عاشوراء غير المشهورة” فهي لا تحتوي على فقرات الـ ١٠٠ لعن و١٠٠ سلام. اقرأها لتحصل على ثواب زيارة عاشوراء بنفسها.

المقامات في زيارة عاشوراء

المقامات المعنوية في زيارة عاشوراء كثيرة جدا، فمثلا:

  • مقام نيل الصلوات (اللهم اجعلني في مقامي هذا ممّن تناله منك صلواتٌ ورحْمةٌ ومغفرة)
  • مقام اللعن والبراءة (فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت)
  • مقام الوجاهة (اللهم اجعلني عندك وجيهاً بالحسين في الدنيا والآخرة)
  • مقام الحب والموالاة (وأتقرب إلى الله ثم إليكم بموالاتكم وموالاة وليكم)
  • مقام المعية (أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة – مع إمام منصور)
  • مقام ثبات القدم (وأن يثبّت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة)
  • مقام المعرفة (فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم)
  • المقام المحمود (وأسأله أن يبلغني المقام المحمود لكم عند الله)
  • مقام الشفاعة (اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود..)
  • مقام السلم والسلام (السلام عليك… إني سلم لمن سالمكم)
  • مقام الثأر (أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور)
  • مقام مشاركةِ المصيبة (وعظمت المصيبةُ بك علينا)
  • مقام الإكرام (فاسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم)
  • مقام القرب الإلهي (إني أتقرب إلى الله)

فهناك ما يقارب ١٨ مقاما في زيارة عاشوراء ولكن بطبيعة الحال لا يسع المجال للتكلم عنها كلها، فقد اخترت لكم مقامين من هذه المقامات، مقام اللعن والبراءة، ومقام السلم والسلام في ليلة أخرى إن شاء الله.

مقام اللعن

معنى اللعن

فما معنى اللعن أصلا؟ اللعن هو الطلب من الله بطرد وإبعاد الشخص الملعون وإنزال السخط الإلهي عليه. فاللعن ليس سبّاً. اللعن ذُكر ٤١ مرة في القرآن أما السب فقد ذُكر مرة واحدة وبصيغة النهي.

فعلى سبيل المثال، الله سبحانه وتعالى قد لعن الشيطان، أي طرد الشيطان من الخير والجنة.

تا

اللعن في الكتب السماوية

اللعن موجود بإفراط في المسيحية المحرَّفة، فعلى سبيل المثال يقولون بأن الله عز وجل لعن آدم وحواء لعصيانهم، فالبشرية جمعاء وفقا للتقاليد المسيحية تُلعن بالخطيئة الأصلية.

أما في المسيحية الحقيقية فاللعن موجود كما عندنا، بدليل قوله تعالى: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ».

اللعن في القرآن (٤١ مرة)

سوف لن أطيل بذكر الآيات كلها ولكن سأذكر لكم العناوين:

  • الكفار
  • المشركين
  • المنافقين
  • الظالمين
  • الكاذبين
  • الشيطان
  • الذي يقتل مسلما متعمدا
  • الذين يخفون الحقائق الدينية
  • الذين يؤذون الله ورسوله
  • الذين في قلوبهم مرض
  • الذي يتهم النساء العفيفات بعدم العفة
  • قاطعي الرحم
  • قوم عاد
  • أصحاب السبت

هذه الفئات بل أكثر كلها ملعونة في القرآن الكريم.

اللعن في الروايات

أما اللعن في الروايات فهذه بعضها:

  • لعن رسول الله أبا سفيان بن حرب حين هجاه بأبياتهجاه بأبيات، حيث قال، اللهم إنّي لا أحسن الشعر، ولا ينبغي لي، اللهم العنه بكلِّ حرف ألف لعنة
  • أمير المؤمنين عليه السلام لعن البعض في قنوت صلاته (كعمرو بن العاص مثلا)
  • قال رسول الله لأمير المؤمنين عليه السلام: اتق الضغائن التي في صدور قوم لا يظهرونها إلاَّ بعد موتي، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون

طبعا التفتوا إلى “ويلعنهم اللاعنون”، لأن البعض قد يستشكل ويقول: القرآن لعن، أهل البيت لعنوا، ولكن هذا لا يعني أنك تلعن، فالرسول كان يمتلك أكثر من ٤ زوجات، فهذا لا يعني أنك كذلك تفعل ذلك، لأن هذا الأمر خصوصية في الرسول. فليس كل ما يفعلونه تفعله أنت. الجواب أن جواز الزواج بأكثر من ٤ بالنسبة إلى الرسول مذكور عندنا بأنه من خصوصيات الرسول، أما بالنسبة إلى اللعن فهذا الشيء غير مذكور. ثم أنه في علم الأصول يقولون أن فعل وقول [وتقرير] المعصوم حجة، واللعن داخل في قول المعصوم ما لم يخرج بدليل.

متى نلعن؟

اللعن لمن يمتلك الصفات المذكورة للملعونين في القرآن الكريم، وعند إصرارهم على البقاء على هذه الصفات ولكن ينبغي التدرج دائما في هذه الأمور، فاللعن ليس الخطوة الأولى، بل هناك محاولات الهداية والموعظة والنصيحة وإتمام الحجة وما شابه، ثم مع عدم فائدة هذه الأساليب كلها وإصرار الطرف الآخر على البقاء على تلك الصفات الموجودة في القرآن الكريم، يأتي دور اللعن.

طبعا الإمام المعصوم يطلب منا أن لا نكون من اللعّانين، ولكن هذا لا يعني أن لا نلعن بتاتا، فالإمام لم يقل: لا تكونوا لاعنين، بل قال لا تكونوا لعّانين فنهى الإمام عن التعوُّد على السبِّ واللعن، بحيث لو رأى شيئاً لا يلائم ذوقه فتح فاه باللعن والسبِّ، وهذا مما لا غبار عليه، وظاهر من لفظ لعَّانين، وليس معناه أن الإمام يمنع لعن من استحقَّ اللعن، ولو أراد هذا المعنى لقال: لا تكونوا لاعنين، وبين الكلمتين فرق كبير يعلمه من له إحاطة بدقائق اللغة.

البعض للأسف يلعن الآخرين لأدنى سبب. يذهب إلى مطعم ولمجرد تأخير الموظف الأجنبي على أخذ الطلبية أو المجيء بها، يضغب ويقوم بلعنه. هذا حتما استخدام خاطئ للعن. والبعض يلعن المؤمن عند حصول الزعل والخلاف، ولكن هذا مؤمن! وهناك حديث يقول: «لعن المؤمن كقتله». فالأمر ليس بهيّن. كذلك في الحديث، إن اللعن إذا لم يستحقه الملعون، يرجع إلى اللاعن نفسه.

لماذا اللعن؟

هناك بعض المناشئ لقضية اللعن، فنحن في زيارة عاشوراء عندما نلعن بعض الشخصيات، لا نعني بذلك لعن مثلا شمر بما هو شمر، أي بما هو إنسان، فنحن لا شأن لنا بجسد أو عين أو أذن شمر، بل في الواقع اللعن راجع إلى الصفات التي يمتلكها شمر. القضية تشبه بأنك عندما تقول لولدك: أنا لا أريدك أن تصادق فلان. لماذا؟ هل لأن هذا الأب له مشكلة مع الشخص بما هو إنسان مثلا؟ طبعا لا، بل لأن هذا الشخص قد يمتلك صفات سيئة لا يحبذها الأب أن يتعلمها الابن. فالطرد والابتعاد هنا راجع إلى الصفات لا الشخص بما هو شخص. هذا النوع من التقارب إلى الصفات الحسنة والابتعاد عن الصفات السيئة مذكور أيضا في نصوصنا، كما نقرأ في زيارة أمين الله: «مُستنّةً (تابعة) بسُنن أوليائك مُفارِقةً لأخلاقِ أعدائك».

والبعض قد يقول أن اللعن سببه حقد الشيعة على الآخرين، فأنتم أمة حقودة، وإلا ما بالكم تهتمون بقضية قد حصلت قبل أكثر من ١٠٠٠ سنة وما زلتم تقولون باستحباب قراءة زيارة عاشوراء والإصرار على اللعن، فالقضية انتهت منذ زمن بعيد، فما هذا الحقد الكبير. الموجود فيكم؟ أنتم بحقدكم هذا ستصابون بالخبيث (السرطان) في يوم من الأيام!

من يستشكل بهذا الإشكال لا يدرك السبب الحقيقي للعن وأننا بهذا نبتعد في الحقيقة عن صفات هؤلاء. نقول له: إن لم تعرف الشيء حق المعرفة فالأفضل أن لا تتكلم فيه. فهل تريد أن تعرف بالإحصائيات أي الدول فيها أكبر نسبة للسرطان؟ الدولة الأولى هي بلجيك (أو دنمارك أو أستراليا على اختلاف الإحصائيات وسَنَتها)، ثم الكثير من الدول الأوروبية! هؤلاء لا يلعنون ويدّعون التطور والرقي. ويا ترى أي الدول فيها أقل نسبة للسرطان؟ سوريا! اليمن! هذا الشعب البسيط الذي يحمل خنجره معه على الدوام، هو أقل شعب يعاني من السرطان!

فالقضية ليست مرتبطة بالأحقاد الشخصية بل بالصفات والقيم. إن الإمام الحسين عليه السلام حينما دعاه الوليد بن عُتبة والي المدينة لتقديم البيعة والولاء ليزيد، فكان ردُّ الحسين- عليه السلام-: « إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلِن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله».

هنا عدة نقاط:

  • الحسين ذَكر محورين، محور الخير والشر. أي نحن صفاتنا كذا وكذا، وأما صفات يزيد فكذا وكذا..
  • الحسين ذكر الضابط لتنصيب الخليفة. أي الخليفة يجب أن يمتلك تلك الصفات الحسنة التي ذكرناها، أو الأقرب فالأقرب..
  • الحسين ذكر العدو باسمه ولم يكتف بالكليات
  • لم يقل “أنا لا أبايع يزيد” بل قال “مثلي لا يبايع مثله” لكي لا يأتي بعده من يريد اختزال وحصر القضية بين الحسين ويزيد فقط.
  • “مِثلي لا يبايع مثله” هي رسالة الحسين إلى كل حسيني في كل زمان ومكان أن مثل الحسين لن يبايع مثل يزيد.

فوائد اللعن

ناهيك عن هذا فاللعن له فوائد كثيرة. فذكر سوء السيئين يجعلك تنزجر منهم.. أليس هذا فائدة البراءة عندنا؟ لكي ننزجر من أعدائنا؟ وإلا لو أردنا أن نكون طيبين إيجابيين على الدوام ونقبل الجميع بصفاتهم الغثة والسمينة، لضاع التدين فينا منذ مدة طويلة ولصرنا التقاطيين لا نميز بين الحق والباطل. إن ما حفظ تديننا هو ذكرنا لجرائم أعدائنا وهذا شكّل عندنا رادعا قويا لكي لا نكون مثلهم. يذكر الشيخ مصباح اليزدي رحمه الله تشبيها جميلا للعن. يقول بأن كريات الدم البيضاء لها القدرة على مقاومة ودفع الأمراض، فاللعن ككريات الدم البيضاء، له القدرة على مقاوَمة الصفات السيئة وطردها من الروح.

وأما علماء الأخلاق، فهم يتفقون على أنه ينبغي على السالك إلى الله أولا التخلية ثم التحلية. كما نقرأ في الدعاء: «اللهم خلّني من الرذائل وحلّني بالفضائل». أولا أولا تنظيف البيت وتخليته من الأوساخ، ثم تعطيره وتزيينه، لا العكس. كذلك في التوحيد، أولا تقول “لا إله” فتنفي جميع الآلهة، ثم تثبّت الإله الحق فتقول “إلا الله”. أولا تكفر بالطاغوت، ثم تؤمن بالله. كذلك في زيارة عاشوراء، أولا تلعن ١٠٠ مرة، ثم بعد ذلك تسلم ١٠٠ مرة. هذه كلها شواهد دينية وهناك المزيد..

ثم أن اللعن (لأهميته وضرورته وأولوية التخلي على التحلي) له ثواب كبير.. ففي بعض الروايات ثوابه أكثر من الصلاة على محمد وآل محمد. كذلك في الروايات عن أمير المؤمنين عليه السلام: ”اللعن أفضل من السلام وردّ السلام ومن الصلاة على محمد وآل محمد.” اعتقادي أنه بقليل من التدبر في هذه الشواهد الكثيرة وتحصيل الحكم والفوائد منها، فالاقتناع بضرورة اللعن وفوائده ليس بأمر بعيد على كل منصف.

الملعونون في زيارة عاشوراء

من هم الملعونون في زيارة عاشوراء؟ هم ينقسمون إلى أربعة فئات:

الفئة السرية

فالله عز وجل في هذا الحديث القدسي المروي عن أئمتنا أهل البيت عليهم السلام استخدم لغة الرموز والشفرات تجاه البعض. فليس هناك اللعن لا بالاسم ولا القبيلة ولا الحركات الاجتماعية، بل مجرد الإشارة الغامضة.

وقد نسأل لماذا؟ لأن ليس كل شيء ينبغي الإفصاح عنه، ليس اللعن دائما مما ينبغي الصراخ به أمام العلن، ليس الانزجار ينبغي الدعوة إليه بكل حرية، خاصة أمام من لا يرون هذا الانزجار الذي تراه. هذه لب الوحدة الإسلامية، مراعاة مشاعر الآخرين والدعوة إلى البحث العلمي بدلا عن ذلك. فلنضع أنفسنا في موضع الطرف المقابل. أحيانا يأتيك أحدهم ويقول أنا لا أقبل فلانا إماما.. ماذا تفعل معه؟ تناقشه علميا، ولكن أحيانا يأتيك ويسب ويلعن إمامك، فهل تعمل معه بحثا علميا؟ طبيعي أنك لا تفعل ذلك.

الوحدة تعني أني أحب أخي المسلم، فعندما أحب أخي المسلم أصحح له أخطاءه ولكن بالطريقة الصحيحة، وهي البحث العلمي. لا تخرجوا البحث أبدا من الجو العلمي، فإدخاله في الجو العاطفي والإهانات وما شابه خيانة للإسلام لأنه ينفر الآخرين عن مذهب الحق.

الأشخاص

وقد نتساءل عن سبب لعن أشخاص معينين بأسمائهم في زيارة عاشوراء؟ وقد يكون السبب أن ظلم هؤلاء كان له أثر أبدي، فهم قد أخذوا من البشرية معلمين كأهل البيت عليهم السلام، فليس هناك ذنب أكبر من تحريف الناس عن ولاية أهل البيت الحقيقية. أليست الولاية شرط قبول الأعمال؟

شمر بن ذي الجوشن

فعلى سبيل المثال تم ذكر اسم شمر بن ذي الجوشن، ولعلكم لم تعلموا ولكن اسم شمر هو اسم عبري، ومعادله العربي سمير. شمر هذا قد ذهب ١٦ مرة إلى الحج قبل أن يقدم على قتل الإمام الحسين عليه السلام. ولكن يا ترى ماذا نتعلم هنا؟ نتعلم وندرك بأن لا نغتر بعباداتنا كثيرا، لأن المهم هو اتباع الولاية الحقة ونفوذ البصيرة ونبذ تعلقات الدنيا وما شابه، لا كثرة العبادات.

يزيد بن معاوية

شخصٌ آخر ذُكر باسمه هو يزيد بن معاوية لعنة الله عليه. سوف أذكر لكم القليل عنه:

  • يزيد أمه لم تكن عربية. أمه كانت من أم يهودية وأب مسيحي، وتربت تربية أهل الكتاب وكانت تكره النبي (ص). هنا نستطيع بكل وضوح رؤية أثر الأم في تربية الابن، فعندما تكون الأم هكذا فماذا تتوقع من الابن؟ فيا أيتها الأم ويا أيها الأب، هل تدركان حقيقة أثركما على تربية الابن؟ فعندما لا تصليان في وقت الفضيلة، الابن أيضا لن يصلي، وعندما تفوتان صلاة الصبح دائما، الابن أيضا يتعود على تفويتها، وعندما لا تذهبان إلى المساجد والمآتم والحسينيات، لا شك أن أبناءكما سيجدون صعوبة في ارتياد الأماكن الدينية.
  • مشاور يزيد شخص اسمه سير جون، وقد كتب كتابا يثبت فيه إن نبينا (ص) والعياذ بالله ممسوس بالجن.
  • يزيد له بيت شعر فهو كان شاعرا لمن لا يعرف، فمرة كان يشرب الخمر فانتقدوه بأن يخجَل من فعلته هذه فهو خليفة المسلمين، فماذا قال؟ قال: وإن حرُمَتْ يوماً على دينِ أحمد / فخُذها على دين المسيحِ بنِ مريم. انظر إلى قمة اللامبالاة، وللأسف البعض هكذا، تريد نصيحته، فيقول لك: يا فلان لا تنصحني… لن تستفيد شيئا من نصيحتي لأني لن أعمل بها (بايع مخلص بالتعبير البحريني المتداول)، فهو لا يريدك أصلا أن تبدأ بالنصيحة لأنه قد عزم وبكل ثقة على الاستمرار في غيّه.
  • كان أحمد بن حنبل وهو من كبار علماء السنة يلعن يزيد، بل الكثير من علمائهم يفعلون ذلك إلا من شذّ وندر.
  • إن يزيد هذا قد دمّر بيت الله الكعبة وأحرقها، فأي إسلام يمتلكه هذا الشخص؟

هناك شخصيات أخرى أيضا ذُكروا بالاسم في زيارة عاشوراء نكتفي بذكر أسمائهم فقط، مثل ابن مرجانة وعمر بن سعد وأبو سفيان

عوائل أو قبائل

هناك فئة ثالثة ضمن الملعونين وهي فئة العوائل أو القبائل إن صح التعبير، وقد يتساءل أحدهم عن السبب، فأحيانا بعض الأعمال لا يمكن إنجازها بشخص واحد، بل لا بد أن تأتي العائلة أو القبيلة بأكملها، لهذا نرى مثلا في زيارة عاشوراء ذكر آل زياد وآل مروان في عبارة: «وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين». فالفرد الواحد لا يستطيع أن يعيّد بمفرده، لذلك أحيانا العدو يقدّم عوائل ومجموعات ولا بد لنا من الحذر من هذا الأمر؛ أحيانا آل فلان بأكملهم على باطل.

بني أمية

فهم في الحقيقة من جذور يهودية، فأهل التفسير كلهم يقولون بأن المقصود من عبارة “فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت” إن هذه الأمة هي اليهود، ولكن قد يتساءل أحدهم: أين اليهود في واقعة كربلاء؟

إنك لو تدقق تستطيع رؤية الأصول اليهودية بوضوح في بني أمية. ابحثوا في تاريخ عبدشمس وغلامه اليهودي أمية. ثم أنه لا يخفى على المُطّلع أن أحداث عاشوراء مكتوبة في كتب اليهود وأن سير جون اليهودي كان يطبق الأحداث بحذافيرها. بالإضافة، هل كنتم تعلمون أن عند اليهود يوم يسمى يوم كيپور، واسمه الثاني يوم آسورا، وهم يصومون فيه. إن قريش كذلك كان يصوم العاشر من محرم في الجاهلية تبعا لليهود.

ولكن الإنسان البسيط يرى الظاهر.. على سبيل المثال لو تسأله: من هم داعش؟ يقول لك: داعش هم مسلمين قتلة. ولكن الإنسان العميق يرى الجذور. فيقول:

  • من الذي أسس داعش؟ 
  • لماذا داعش لا يطلق طلقة واحدة تجاه إسرائيل؟ 
  • لماذا إسرائيل تداوي جرحاهم؟ 
  • لماذا نتنياهو في فيديو يزور جرحاهم؟

البصير لا يرى فقط شخص مسلم كان اسمه يزيد وقد قتل الحسين، هذا هو الظاهر، أما الباطن فهو “أمة أسست أساس الظلم”، والغريب أن اليهود من ذاك الزمان إلى هذا الزمان لا ينوون ترك المسلمين في حالهم.

حركات

أما الفئة الرابعة ضمن الملعونين هي إن صح التعبير حركات اجتماعية، لأنه أحيانا ينبغي علينا معرفة حركات العدو أيضا، فالأمر لا يتعلق باسم شخص أو عائلة، فمثلا تقرأ في الزيارة:

«برئت إلى الله وإليكم منهم ومن:

  • أشياعهم
  • وأتباعهم
  • وأوليائهم»

أو مثلا: «ولعن الله أمة

  • أسرجت
  • وألجمت
  • وتنقبت لقتالك»

هذه حركات اجتماعية، فأنا لا يعنيني اسم الجماعة، بل كل من شايع أو تابع أو صادق اليهود فأنا بريء منه، سواء كان هذا شخص بمفرده أو عائلة أو دولة أو قارة.

وما لفت انتباهي أثناء البحث هو معنى كلمة “تنقبت”، فأحد معانى تنقبت هو شد النقاب على الوجه، ولكن المعنى الآخر هو المبالغة في البحث. المبالغة في البحث عن خاتم الحسين وسرقته، المبالغة في البحث عن ثياب الحسين، المبالغة في البحث عن قرطها وسحبه من أذنها، المبالغة في البحث عن رقبة علي الأصغر عليه السلام..

إنهم قتلوه لأن اسمه علي الأصغر، لأنه كانت لهم أوامر بأن يقتلون كل من اسمه علي، فعندما عرفوا أن علي بن الحسين حي، قالوا ألم نقتل كل علي؟ فمن أين جاء هذا؟ وإلا الطفل الرضيع ما ذنبه؟ الإمام قال عنه إنه يتلظى عطشا! يتلظى يعني سواء قتلتموه أم لا، فإنه سيموت؛ على الأقل اثبتوا لأنفسكم هذا الشرف أنكم لم تقتلوا طفلا رضيعا، ولكنهم لم يفعلوا ذلك.

ألا لعنة الله على القوم الظالمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

مقاطع مختارة

https://youtu.be/tya0KquW5b4
فضل قراءة زيارة عاشوراء
https://youtu.be/N6sUaoXJ-Vc
٣ طرق لقراءة زيارة عاشوراء
https://youtu.be/1-WKRp5OaBk
لوددت أن أقرأها مرتين بدلا من مرة – السيد القاضي
https://youtu.be/yhQp5XFyo1Q
معنى اللعن
https://youtu.be/J4UItue5RwY
اللعن في الكتب السماوية
https://youtu.be/Mf3Bua7MUdU
اللعن في القرآن الكريم والروايات
https://youtu.be/tO3JhEypf1Q
المقامات المعنوية الكبيرة في زيارة عاشوراء
https://youtu.be/ILhdmS5JRiE
هل تحتاج زيارة عاشوراء إلى بحث سندي؟
https://youtu.be/exwFntJoPMg
إنه [عبدالله الرضيع / علي الأصغر] يتلظى عطشا (جمعة الطفل الرضيع العالمية)
https://youtu.be/NP51RiaSC_w
متى يجوز اللعن؟ ومتى لا يجوز؟
https://youtu.be/zYPJGeig2qQ
لعن الصفات لا لعن الشخص بما هو إنسان
https://youtu.be/bWkYASRkj3w
قول الحسين: «مثلي يا يبايع مثله» ودلالاته
https://youtu.be/j1wwe_C3Gc8
بعض فوائد اللعن والبراءة
https://youtu.be/9r1SFBHRqjE
نبذة بسيطة حول شخصية يزيد
https://youtu.be/gfv17Y7htOE
أحيانا عدوك عائلة أو قبيلة بأكملها، فاحذر!
https://youtu.be/VjqZJF5-wj4
هل أحداث عاشوراء مذكورة في كتب اليهود؟
https://youtu.be/XcIDddwek0Y
الإنسان البسيط في مقابل الإنسان العميق
https://youtu.be/MHJ8pX0wSn8
ضرورة فتح المجال أمام البحث العلمي

صور مختارة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

محتوى مشابه

زر الذهاب إلى الأعلى